روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | التوبة.. طريق التوفيق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > التوبة.. طريق التوفيق


  التوبة.. طريق التوفيق
     عدد مرات المشاهدة: 3763        عدد مرات الإرسال: 0

أحمد والمذاكرة: أحمد كل عام من هذا الوقت، تجده في حالة مغايرة تمامًا، فهو قد فرَّغ نفسه للمذاكرة بشكل تام.

بالإضافة إلى ذلك تجده في حالة من القرب إلى الله تعالى، فالصلوات يصليها في المسجد ولا يفوت فردًا في بيت الله.

وقراءة القرآن مداوم عليها كل يوم، بالإضافة إلى النوافل، وإذا سألته عن ذلك، قال لك: أريد أن يوفقني الله في الامتحانات.

ها أنت أيها الشاب تستقبل بعد أيام قليلة ما اعتدت استقباله في نفس الوقت من كل عام، فها هي امتحانات نصف العام قد اقتربت، ونجد الشاب يظل يبحث عن الوسائل التي تعينه على النجاح والتفوق في الامتحانات.

وفي فترة الاستعداد للامتحانات تجد بعض الشباب يزيد قربهم من الله تبارك وتعالى، وهذه ظاهرة فطرية وطبيعية، فالإنسان حينما يكون في ضيق يلجأ إلى الله تبارك وتعالى، حتى يعينه على مجاوزة ما استصعبه.

وقد ذكر الله ذلك المشهد في كثير من مواضع القرآن، أن الإنسان حينما يركب في سفينة في البحر يدعو الله بإخلاص أن ينجيه من العواصف والبحر الهائج، ولذلك عليك أيها الشاب المتفوق أن تبدأ مذاكرتك واستعدادك لامتحاناتك بتوبة إلى الله تبارك وتعالى.

الحاجة إلى العبادة:

لقد خلق الله تعالى الإنسان وبه أمر فطري لعبادة الله جل وعلا:

(وهو ما يحسه الإنسان على على وجه الخصوص في حالة الشعور بالذنب، أو في حال الشدة، والخطر، فيتوجه إلى الله خالقه لفك كربته، وحل أزمته وقد وصف الله حال الكفار عند الشدة بأنهم يتوجهون إليه وحده ويجأرون بالدعاء:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 31-32].

فالمراهق عواطفه جياشة، وأحاسيسه مرهفة، فهو كثير الخوف، سريع الشعور بالذنب والإحساس بالضعف، يتجه إلى المسجد أحيانًا، ويحافظ على الصلوات والنوافل ويكثر من الدعاء والأوراد والأذكار) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي، ص(39-40)، بتصرف].

قاتل ولكن في الجنة:

لعلك تريد التوبة إلى الله تبارك وتعالى في هذا الوقت، حتى يوفقك الله تعالى في الامتحانات، وهنا نذكر قصة القاتل الذي تاب الله عليه، حتى يكون قدوة لك في التقرب إلى الله في هذه الفترة، والشباب كثيرًا ما يحبون الاستماع إلى أخبار السابقين.

وأنباء السلف والصحابة، ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا أمر، فخصص جزءًا في أحاديثه من أنباء الأمم السابقة وأحوالهم، ولا تكاد أخي الحبيب تنتقل من قصة لأخرى من القصص التي يرويها المصطفى، إلا وتجد الاستفادات العظيمة والمعاني الجميلة.

همة عالية:

جلس النبي صلى الله عليه وسلم مع تلامذته يعلمهم ويربيهم، وأثناء ذلك روى لهم خبر ذلك السفاح (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهب، فأتاه، فقال: إني قتلت تسعة وتسعين نفسًا فهل لي من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به المائة.

ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فُدل على رجل عالم، فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال العالم: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم.

ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط.

فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) [رواه مسلم].

فيا لهذا الرجل، قتل تسع وتسعين نفسًا ثم أراد التوبة, فذهب إلى الراهب يسأله عن توبته، فرده الراهاب، فأتم به المائة، هو مُصِر على معصية الله تعالى ومع ذلك يريد التوبة والرجوع إلى ربه تعالى، يفعل الذنب ثم يريد التوبة، لقد ارتكب مائة كبيرة من أشد الكبائر ألا وهي قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فيا لها من همة عالية ترغب في التوبة إلى بارئها وخالقها.

عمر والتوبة:

(فهذا عمر بن الخطاب شغله بستانه عن الصلاة فتصدق به، وكان ابنه عبد الله بن عمر على نفس الطريق، كان إذا فاتته صلاة الجماعة صلى إلى الصلاة التي تليها تطوعًا وتنفلًا، فتنشغل بإزالة آثار العدوان، وبناء ما انهدم من الإيمان، مستبشرًا بقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].

مستأنسًا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم: (واتبع السيئة الحسنة تمحها) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (97)]، تبدو نواجذك من شدة فرحك بقول واعظ الشام أحمد بن عاصم الأنطاكي: أصلح فيما بقي، يغفر لك ما مضى) [هبي يا ريح الإيمان، خالد أبو شادي، ص(51)].

الدعاء المستجاب:

إن الله تبارك وتعالى يعلم أن بني آدم يخطئون فيقعون في معصيته، لذلك فهو يقبل توبة العبد، أيًا كان ذنبه طالما كان هذا العبد صادقًا في توبته، يقول تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

يقول الشيخ السعدي رحمه الله: (هذا جواب سؤال، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} لأنه تعالى، الرقيب الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو قريب أيضا من داعيه، بالإجابة، ولهذا قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.

والقرب نوعان:

قرب بعلمه من كل خلقه، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.

فمن دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به، الموجب للاستجابة.

فلهذا قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة. ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره، سبب لحصول العلم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانً}. [تفسير السعدي، (ج 1 ص 87)].

لا تيأس:

تخيل معي أن الله تعالى الذي نعصيه ونرتكب الأخطاء في حقه، يدعونا إلى عدم اليأس من رحمته والرجوع إليه فهو الغفور الرحيم، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

ففي هذه الآية العظيمة (يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال: {قُلْ} يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين اللّه، مخبرا للعباد عن ربهم: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب.

{لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار.

{إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته، ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد.

فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد، فهلم إلى هذا السبب الأجل، والطريق الأعظم) [تفسير السعدي، (1 727)].

ماذا بعد الكلام؟

حتى تكون توبتك مفتاح لك بإذن الله في طريق نجاحك عليك أن تطبق الخطوات التالية لتكون توبتك بإذن الله توبة نصوحًا:

(أولًا: إحصاء الذنوب كتابة من أول فترة البلوغ إلى الآن:

وذلك تمهيدًا لأن تتوب منها؛ فإن النفس إذا وضعت أمامها ذنوبها، فإنها تذل وتنكسر، وتسارع إلى التوبة، وإليك مجالات الذنوب التي تستطيع أن تحصي من خلالها ذنوبك الماضية:

معاصي الجوارج:

كمعاصي اللسان؛ من الغيبة والنميمة، والكذب والسخرية، والاستهزاء بالآخرين، ومعاصي العين؛ كالنظر إلى ما حرم الله، ومعاصي الأذنين، ومعاصي اليدين، ومعاصي القدمين، ومعاصي الفرج.

معاصي القلوب:

كالتكبر على الآخرين، وحسدهم، والبغي والافتخار عليهم، والإعجاب بالنف، والزهو والاختيال.

التقصير في القيام بالحقوق:

كحق الوالدين، والأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.

التقصير في الطاعات:

كتأخير الصلاة عن وقتها.

ثانيًا: محاولة إحصاء نعم الله عليك كتابة:

حتى تدرك مدي تقصيرك في حق ربك، وتصل إلى مرحلة اليأس من عَدِّ نعم الله تعالى عليك، وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

ثم قارن بعدها ما بين خيره النازل إليك، وشرك الصاعد إليه، فلا تملك ساعتها إلا أن تدمع عينك، ويرق قلبك، ولسان حالك يقول: (... أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) [رواه البخاري].

فإذا فاض الندم من قلبك، وسقط الدمع من عينك، فسارع إلى الخطوة الثالثة، وهي:

ثالثًا: صلاة التوبة:

وذلك بأن تقلع فورًا عن أي ذنب ارتكبته، ثم تنفذ وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم التي يبشرك فيها بقوله: (ما من عبد يذنب ذنبًا, فيتوضأ, فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله بذلك الذنب؛ إلا غفر الله له) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (5738)].

ثم لتعزم بعدها عزمًا أكيدًا على عدم العود للذنوب، وبذلك تعيش خير يوم طلعت عليك فيه الشمس منذ ولدتك أمك.

رابعًا: اهجر في التو واللحظة رفاق السوء:

اقطع كل علاقاتك معهم، فإنهم قُطَّاع في طريقك إلى ربك، فإذا وفقك الله للتخلص منهم؛ فإن في هذا بشارة عُظمى بأن الله تعالى قد تقبل منك توبتك.

خامسًا: ليكن لك برنامج يومي من طاعة الله تعالى:

تُعوِّض فيه ما فاتك من بعد عن طاعة الله وتفريط في حقه، ضِمنَه قراءة ما تيسر من القرآن، والأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشيئًا من قيام الليل، وصيام النهار، وليكن ذلك بتدرج وواقعية) [هزة الإيمان، فريد مناع، (224-225)].

المصادر:

• المراهقون، عبد العزيز النغيمشي.
• هزة الإيمان، فريد مناع.
• هبي يا ريح الإيمان، خالد أبو شادي.
• تفسير السعدي.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام